بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
مقدمة
إذا ذكرت كلمة الجاهلية انصرفت الاذهان إلى الأمه العربية قبل الاسلام لكثرة ماترد هذه الكلمة مقرونة بتاريخها وربما توهم بعض الناس أن هذا العهد من الحياة الاجتماعية خاص بالعرب فقط والحقيقة أنه لايوجد أمة لم تمر بهذا العهد وقد دون التاريخ ذلك.
يتسلط على الامم فى عهد الجاهلية حكم القوة لا حكم العقل والعدل ، وكان الحق كله مع صاحب الساعد المفتول والسنان المذرب وكل ما كان يربط بين آحاد تلك الجماعات من عادت محترمة يصدر عن هذا الأصل الحيوانى البحت.
بعث الله محمدا والعرب فى لجاج هذا الدور وكذا سائر الأمم لاتزال فيه، أو ارتكست إلى ما يشبهه ،بعد أن بلغ بعضها بفضل الديانات الإلهية السابقة ، ومعونة العلم والحكمة ، درجة صالحة فكان العالم كله والحالة هذه فى حاجة ماسة إلى قارعة سماوية تنقشع بها كسف هذه الجاهلية العالمية التى ملأت جو الارض فجعلت الجماعات هملا يموج بعضها فى بعض ، نعم قد كان لبعضها مظهر من النظام ولكنه لم يتخذ إلا عدة للعدوان وسبباً للغلب لاوسيلة للارتقاء وذريعة لحسن المنقلب.
روى البخارى عن أبو رجاء العُطارى رضى الله عنه قال كنا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجراً خير منه ألقناه وأخذنا الآخر فإذا لم نجد حجرا جمعنا جثوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبنا عليه ثم طفنا به
والحالة السياسية لم تكن باحسن حال من الدينية فقد عاشت اجيال متعاقبة منقسمة إلى قبائل وانقطعت عن العالم فالتاثت بكل ثمرة همجية وجمدت عليها حتى اختلطت بها وحلت محل الوطائد من بنائها ثم بعث فيها نورا من داخلها فتحولت فى ربع قرن إلى أمة خلصت من جميع شوائب الجاهلية وتولت خلافة الله فى الارض فانتدبت لتخليص العالم كله منها تلك الجاهلية ،
وأقوى معول ضربه الإسلام لهدم الجاهلية صوبه إلى أصلها الاول الذى تتنزل منه جميع أصولها وهو حكم القوة
فقال تعالى
يـأ يها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم (الحجرات 13)وكثرت امثال تلك الايات فى القرآن
وأما السنة فمنها قوله صلى الله عليه وسلموهو على المنبر [ أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب ، لافضل لعربى على عجمى إلا بالتقوى ألا هل بلغت اللهم فاشهد فليبلغ الشاهد منكم الغائب]الى غير ذلك من الاحاديث .
ذفسقط بهذا المبدأ الكريم كل ما كان يعتز به الناس فى عهد الجاهلية من الاعتزاء للقبائل أو للبيوت واصبح لافرق بين عظيم ووضيع وحر وعبد الا بالتقوى.
ولم يغفل عمر بن الخطاب رضى الله عنه للتنويه بهذا الاصل يوم تولى الخلافة فقال فى أول خطبة له { واعلموا أن شدتى التى كنتم ترونها زادت أضعافا عن الأول على الظالم والمعتدى ، والاخذ للمسلمين لضعيفهم من قويهم ، وإنى بعد شدتى تلك واضع خدى على الأرض لأهل العفاف وأهل الكفاف} ثم اثبت ذلك مرار ومنها قصة جبلة بن الأيهم ملك غسان الذى داس على طرف ردائه اعرابى وهو يطوف بالبيت فلطمه فحكم عليهه عمر بالقصاص ففر الى ملك الروم وارتد عن الاسلام
وقد قارن الله بين الحالتين فى القرآن
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) "المائدة*
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)"الاحزاب"
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)"آل عمران
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26) الفتح
هكذا ميز الله عهد الجاهلية بجميع السيئات والشرور ويدعو االناس للتخلص من آثاره ودعوته مستمرة الى يوم القيامة وموجهة إلى العالم كله لان الأسلام هو الدين العام، ومن يسقراء أحوال الأمم اليوم يجد أنها جميعا فى حاجةإلى هذه الدعوة