إذا ذكر يوم عرفة، فقد ذكر أفضل الأيام وأبركها، فليس ثمة يوم طلعت فيه الشمس، أو غربت، هو خير من يوم عرفة أبدا، فقد ورد أن صيامه لغير الحاج يكفر ذنوب سنتين، وقد ورد أنه ما رئي إبليس في يوم هو أصغر و لا أحقر، ولا أغيظ من عشية يوم عرفة.
فماذا ستستعدين له؟
- بقلب يبتغي مرضاة ربه.
- وبلسان لاهثٍ بذكره، مكبرا ومهللا فقد اجتمع من فجر يوم عرفة -لغير الحاج- التكبير المطلق والتكبير المقيد، أي –لغير الحاج- أن يكبر في كل وقته، ويخص بعد الصلوات المفروضة أيضا بالتكبير ويسمى التكبير المقيد.
- وكذلك جاء عن النبي-صلى الله عليه وسلم-
خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير)
فما معنى هذا الدعاء، ولماذا خص به الذكر؟
ومما هو معلوم أن هذا الدعاء من أذكار الصباح والمساء ومن قاله مئة مرة غفر له ذنبه، ولم يأتي أحد بأفضل منه إلا رجل قال مثله أو زاد عليه؟
فما معنى هذا الدعاء؟
قبل أن نبدأ بمعنى الدعاء، لابد أن تعلم أن:
الله لا يقبل الدعاء من قلب لاه، أي لا يعلم ماذا يقول!
وأفضل الدعاء ما تواطأ عليه القلب واللسان، أي ينطق به اللسان ويستشعره القلب،متفكراً في معناه، ومفهومه...
فمن قال(لا إله إلا الله وحده لا شريك له): فهو يقر ويعترف بشدة محبته وولهه لله وحده، وشدة اللجوء إليه في كل أحواله، ولذا نفى عن كل أحد استحقاقه لتلك المحبه؛ لذا سمى الله نفسه (الإله-الله)لأنه هو المألوه، المعبود الي يفزع له كل خائف فيزيل خوفه ويطمئن قلبه.
ويتعلق به الضعيف فيعطيه القوة.
ويسأله المحتاج أيا كانت حاجته،فيعطيه سؤله.
وكذلك الوحيد المستوحش غريب الأهل والأوطان يتضرع له فيأنس به.
فهلا استشعرنا بعض هذه المعاني، وغيرها كثير عند النطق بقول (لا إله إلا الله)
فـ(الله): هو الاسم الذي تنكشف به الكربات، وتستنزل به البركات والدعوات، وتقال به العثرات، وتستدفع به السيئات، وتستجلب به الحسنات...)
فعلى العبد أن يتأله له وحده محبة وخوفا ورجاء وإجلالا وتعظيما، لأنك أيها العبد مفتقر إلى الله في إيجادك، وتدبيرك، ومفتقر إلى الله في إمدادك بالقوة والسداد، مفتقر إليه في الحصول على رزقك والانتفاع به،
فافتقر إلى ربك وحده، ولا تحتمي بظل زائف زائل، من نفس أو مال أو أهل أو سكن أو موطن، فما كل هذا إلا رزق لك من الله، فكن واحد لواحد.
لأن (له الملك) كله، وله الكبرياء، والقهر، والندبير، وهو الذي له التصرف المطلق في الخلق، والأمر، والجزاء، فهو مالك خزائن السماوات والأرض، بيده الخير، يرزق من يشاء، ومنه النفع والضر، وإليه يرجع الأمر كله، وله جميع العالم العلوي والسفلي، وكلهم عبيد ومماليك مضطرون إليه.
فإذا عرفت ربك بهذه الصفات، وعرفت نفسك بالضعف والعجز، ففرَّإليه واحتمي بحماه فلا مانع ولا معطي على الحقيقة إلا الله،فــ(له الحمد)حمدا يليق بجلاله، حمدا على ما قدره لنا من قضاء، وحمدا له على شرعه، وحمدا له على توفيقه لنا للطاعة، وحمدا له على جزائه لعبده يوم القيامة.
(وهو على كل شيء قدير):علمت أن الله هو المالك لكل الأمور، المتصرف في جميع الأحوال، محمود في كل ما قضاه وقدّره، فهو قدير على إنفاذ أمره، وتحقيق مطلوبك، فلا ترغب إلا إليه، واعلم أن قضاءه بقدرٍ منه،فاحمده عليه، فالعاقبة المحمودة في قضائه وقدره.
فخص هذا الفضل لهذا الذكر: لما حوى عليه من بيان كمال صفات لله والثناء عليه بأسمائه الجامعة.وأفضل الدعاء هوالثناء على الله.