[center] بسم الله الرحمن الرحيم
أللهم إني أعوذ بك أن أظلم أحداً بعلم أو بغير علم , واجعلنا في أحسنِ ما جئتنا به من الحق بإذنك . . آمين
قبل أن أبدأ موضوعي أحبّ أن أعتذر لكلّ العلماء قديمهم وحديثهم فيما آذاهم كلامي في موضوعي السابق ( التّورية في القرآن الكريم ) وأشهد الله إنّي ما تعمّدت إستنقاصهم فليغفروا لي زلّتي .
وأستغفر الله أن أقول في كتاب الله بدون علم وأستغفره إن أسأت الأدب معه أو مع كتابه فما أنا إلا بشر خطّآء , ونستغفره من كلّ ما زلّ به القدم أو طغى به القلم , ونستغفره من أقاويلنا ألتي لا توافق أعمالنا , ونستغفره ممّا ادّعينا وأظهرناه من العلم بدين الله تعالى مع التّقصير فيه , ونستغفره
من كلّ خطرة دعتنا إلى تصنّع وتزيّن في كتاب الله , أو كلام نظمناه , أو علم أفدناه وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .
وبعد :
أليوم لي وقفة مهمّة مع قوله تعالى : ( من بعد وصيّةٍ يوصي بها أو دين )..
هذه الآية إعجاز بياني وبلاغي قرءاني مستقل وقائم بذاته وهي جزء في عدّة آيات من آيات المواريث في سورة النساء وليس بآية مستقلة , وآن لي أن أعطيها بعض حقّها .
هذه الآية سبع كلمات ولو تفحّصتها لوجدت إنّها مركّبة من ( إسمين وفعل ) والبقية حروف جر وعطف وظرف .
وهي على فقرها بالمسمّيات والأفعال إلا إنّها آية بليغة جداً وإليك الشرح :
هذه الآية تخاطب وبكلمات قليلة جيلين أو صنفين من النّاس صنف مودّع للدنيا وهو الموصي وصنف آخر وهو المستقبل للدنيا وهم الورثة ,
إلا أنّ الأهم في هذا كله هو إنّ الخطاب في الآية للصنف الأوّل وهم (ألموصون) مختلف عن الخطاب للصّنف الثاني وهم (ألورثة), فالأوامر للصّنف الأول مختلفة عن الأوامر للصّنف الثاني رغم إستخدام نفس الكلمات والحروف.
فأنّى يتأتى هذا لبشر . وأنظروا كم سأكتب من الكلمات والمعاني لأشرح ذلك وقد لا أفلح بتوصيل المعنى فسبحان الله كيف يقذف بالمعاني قبل الألفاظ .
فعند الصّنف الأوّل تخاطب الآية الموصي بما يلي :
1 - إنّ على كلّ من قاربت منيته أن يكتب وصيةً يبُبين فيها ماله وما عليه وهو أمر مبنيٌ على النّدبة والنّصح وليس على الوجوب وهذا في باطن الآية .
2 - تبين الآية للموصي بما يلي :
أوّلاً : أن يوصي بجزء من ماله لمن ليس بوارث , وهو ما قصدناه أيضاً من معنى النّدبة .
ثانياً : أن يكتب ما عليه من دين في تلك الوصيّة خاصّة إذا كان الدّين غير موثّق .
ولا يغرّنكم حرف العطف ( أو ) هنا , فهو هنا ليس للتّخيير , فالموصي لا يستطيع أن يختار بين كتابة الدّيْن أو وصية لغير وارث مثلاً ,
وإن كان ليس عليه دَيْن فيمكنه أن يُوصي لغير وارث , وحرف العطف (أو) في هذه الآية يحتمل معنى ( الواو ) وإن كان كذلك فلماذا عدل سبحانه وتعالى من ( الواو ) إلى ( أو )؟؟ ,
ولكي نعرف السبب نقرأ الآية بحرف العطف ( ألواو ) وننظر كيف تغيّر المعنى من إباحة ألإيصاء لغير وارث إلى وجوب ذلك الإيصاء وهذا ما لم ترمِ إليه الآية , والله أعلم .
الآن ننظر كيف تُخاطب هذه الآية الصنف الثاني وهم الورثة :
1 - إنّ تنفيذ وصيّة الميّت واجبة.
2 - إذا وجد في الوصية إيصاء لغير وارث فهو واجب النفاذ بعد تأدية الدّيْن كما جائت به السنّة . وحرف العطف ( أو ) ليس للإختيار بين الدّيْن والإيصاء.
3 - ألدّيْن مقدّم على الوصية وواجب على الورثة تأديته ولو إستهلك كلّ التّركة , أمّا الإيصاء فعلى خلاف بين العلماء فمنهم من اشترط موافقة الورثة على الوصية . ولا نخوض في ذلك الخلاف لأنه عليه الصّلاة والسلام قضى بالدّيْن والوصيّة .
فانظروا كم كتبت لكي أشرح ذلك ولم أوفِ الآية حقّها .
والله من وراء القصد .
علي الهتاري .