بسم الله الرحمن الرحيم
كنت مع مجموعة من إخواني وأقاربي في منزل الوالد حفظه الله , نتابع القنوات الفضائية , وكان ذلك في يوم ( جمعة الرحيل ) التي ألمّت بالشعب المصري الشّقيق ,
وفجأةً سأل الوالد هذا السّؤال : ما كنتَ ستفعل في هذا اليوم لو كنتَ الرئيس
حسني مبارك ) ؟ , وبدأ بنفسه قائلاً : كنتُ سأعتذر للشّعب المصري وسأقدّم استقالتي .
ثمّ أجاب الآخرون إجابات متعدّدة ليس فيها جديد , ثمّ التفت إليّ الوالد غفر الله له وقال : وأنت ؟ ,فقلت : أنا ,أنا وما أدراك ما أنا ! فقاطعني الوالد : لقد أخذك الغرور والكِبْر لمجرّد التّخيل ليس إلاّ فكيف لو كان حقيقة !! وضحك الحضور , فقلت : يا أبي أرجوك لا تقاطعني , لقد سألتَ سؤالاً قد سألته نفسي قبل أن تسألني وقد أجبت عليه بأجابة تمنيتُ أن يحدث ربعها , قد سألتَ ياأبي سؤالاً خيالياً مستحيل الحدوث والله لا يستحيل عليه شيء ,ولكن أجيبك جواباً خيالياً ليس مستحيل الحدوث : تعلمون إنّ من شروط الزّعامة والخلافة توفّر عدّة صفات في الزّعيم , من هذه الصّفات ما يلي : العلم والشّجاعة والكرم والحلم والفروسية وغيرها من الصفات الحميدة , وقد تنازلنا نحن الشّعوب العربية عن معظم تلك الصّفات والشّروط من باب كيف ما تكونوا يولّ عليكم ! , إلاّ صفةً واحدةً لا يتنازل عنها حتى رجل الشارع البسيط , قال الإخوان وما هي هذه الصّفة في نظرك ؟ قلت مجيباً : الشّجاعةُ الشّجاعة .
ولو كنت حسني مبارك وأزعمُ إنّي طيّارٌ وشجاعٌ ومحاربٌ جسورٌ لكنت تصرّفت تصرّفاً شجاعاً يتطلّبه الموقف , تصرّفاً يرفع عنّي وعن ولدي وأبنائي وأهلي وشعبي وأمتي ذلّ الهوان الذي لحقني ولحقهم . فقالوا متعجّبين : وما هو هذا التّصرف الذّي يرفع ذلك ؟
فقلت بكل بساطة : سأفعل المستحيل لكي أصل الى وسط ميدان التّحرير وحدي وبدون حراسة , كأن أستقل طائرة مروحية صغيرة بطيار واحد وأضع عليها سلّماً متدلياً وأتعلّق به وبيدي علماً أبيضاً وغصن زيتون وأعطي أمراً لقائد الطّائرة أن يضعني في وسط ميدان التّحرير بين شعبي وأبنائي وآبائي ثمّ يقلع بالطّائرة ويتركني لمصيري المشّرف قائلاً لشعبي : ها أنا ذا بينكم وحدي إفعلوا بي ما شئتم فقد تبتُ إلى الله وعدتُ إليكم واحداً منكم , فقال الحاضرون مستنكرون ذلك ولكنّهم سيقتلوك .
لا والله لن يفعلوا وليس من أخلاق الشّعب المصري قتل أعزل ولو كان رئيساً ظالماً , فقد رأيتم كيف عاملوا من اعتدى عليهم من الشّرطة , وإن قتلوني فمن حقّهم وقد حصل المراد من نزولي إليهم وحدي , وهو إنّ إبني وزوجتي وأهلي وشعبي وأمّتي تستطيع أن ترفع رأسها أمام شعوب العالم وتقول ها أنا ذا الشّرقُ بأخلاقه وصفاته الحميدة , أما الآن فأنا هنا في اليمن خازٍ ومُستحٍ وكأنّ ما حصل حصل من أبي أو إبني !! .
فما الإنسان إلاّ موقف صحيح , وما هو إلاّ سمعة تمشي على رجلين .
لقد أذلّني حسني قبل وبعد رحيله فلا نامت أعين الجبناء .
علي الهتاري .