قال أبو بكر الوراق البلخي "شهر رجب شهر للزرع، وشعبان شهر السقي للزرع، ورمضان شهر حصاد الزرع" .. وأول بذرة سنقوم ببذرها من بذور رجب وتكون هي أول عُدتنا الإيمانية لشهر رمضان، هي التقرُّب إلى الله تعالى بوظيفة العمر .. ألا وهي ..
التــوبـــــــة ..
فجديرٌ بمن سوَّد صحيفته بالذنوب طيلة العام أن يُبيضها بالتوبة فى هذا الشهر .. يقول الله تعالى {..وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور: 31]
والتوبة ليست مجرد استغفار بل لابد أن تُعيِّن الذنوب التي ستُجدد توبتك منها في هذا الزمن الشريف، ومنها:
أولاً: التوبة من خصال النفاق .. فهو أخطر وأعظم الأدواء التي حلَّت في زماننا، ومن هذه الخصال:
1) التوبة من التكاسل عن الصلاة .. قال تعالى{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا}[النساء: 142]
فينبغي أن نتوب من التهاون في شأن الصلاة ..لاسيما صلاة الجماعة وصلاة الفجر، قال رسول الله "إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا"[رواه ابن ماجه وصححه الألباني]
2) التوبة من قلة الذكر .. عن قتادة إنه قال في قوله تعالى{وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا}[النساء: 142]"إنما قل ذكر المنافق، لأن الله لم يقبله. وكل ما رَدّ الله قليل، وكل ما قَبِّل الله كثير"
3) التوبة من الكذب في الحديث .. فلا نقول إلا حقًا حتى ولو كان في ذلك مشقة، قال "وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا"[متفق عليه]
4) التوبة من إخلاف الوعود .. فلا تعِّد أحدًا بشيء ثم تُخلِّف وعدك .. واحذر من كثرة المواعيد مع عدم الوفاء بها، فهذا من علامات خُذلان العبد .. قال رسول الله "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان" [متفق عليه]وزاد مسلم "وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم"
5) التوبة من خيانة الأمانات .. قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنفال: 27] .. وما أكثر الخيانات في هذا الزمان ..
فهل منا من عاهد الله يومًا على أن يكون صالحًا ثم أخلَّف عهده مع الله تعالى؟؟ هل منا من خان رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار فى طريق الهوى وترك سنته؟؟ هل منا من خان أمانة استودعه الله إياها ؟؟
ثانيًا: التوبة من ذنوب السر ..التي تهدم ما بينك وبين الله وتُضيِّع إيمانك .. عن النبي أنه قال"لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا"، قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال "أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها"[رواه ابن ماجه وصححه الألباني]
ثالثًا: التوبة من آفات اللسان .. قال رسول "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه"[رواه أحمد وحسنه الألباني]..
لذا عليك أن تقوم بالآتي ..
1) قلل من كلامك .. فهذا زمن الجِدّ ولا يوجد وقت للكلام الكثير .. وابتعد عن اللغو، فإنه ليس من صفات عباد الله المؤمنين {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}[المؤمنون:3] ..
قلل من كلامك في الهاتف خلال رجب وشعبان .. فيجب أن ننتهي عن القيل والقال، لأن الله عز وجل يكره ذلك ويُنزِّل عقوبته وسخطه وغضبه على من يفعله .. النبي قال "إن الله كره لكم ثلاثا قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال"[صحيح البخاري]
2) قلل من المزاح الزائد عن الحد .. النبى يقول "وأقل الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب"[رواه ابن ماجه وصححه الألباني] .. فلتكن معتدلاً في مزاحك بدون إفراط أو تفريط، كان الرسول يقول "إني لأمزح ولا أقول إلا حقا"[صحيح الجامع (2494)]
3) التوبه من الكلام في سير الناس .. لا تخُضّ فى أعراض الناس بل اشغِّل نفسك بحالك، الرسول قال "أتدرون ما الغيبة ؟"، قالوا: الله ورسوله أعلم . قال "ذكرك أخاك بما يكره"، قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟، قال "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته"[صحيح مسلم]
رابعًا: التوبه من الاختلاط الفاحش ..
1) بالأخص ما يكون بين الرجال والنساء في أماكن العمل .. قال "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"[متفق عليه] .. وكذا العكس.
2) التوبة من إختلاطك بأهل الدنيا .. خالطهم عند الضرورة فقط، لكن كثرة مخالطتهم والخوض معهم في الأمور الدنيوية التي لا فائدة منها ستُزِّيل من قلبك اليقين والرغبة في الآخرة.
فرِّغ قلبك من إنشغاله بأهلك وولدك ومالك .. فلن ينفعك أحد سوى الله عز وجل.. ووالله لتذوقنّ المرارة في معاملة الخلق، لتعرف أنه لا ينبغي أن يكون في قلبك محبة لأحدٍ سوى ربك عز وجل.
خامسًا: التوبة من ضياع الوقت فى غير طاعة الله ..
سادسًا: التوبة من الخواطر الفاسدة .. فنفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
سابعًا: التوبة من الأماني الباطلة وأحلام اليقظة ..
ثامنًا: التوبة من العجز والكسل .. انفضّ عن نفسك غبار الكسل، فزمن الراحة والدعة قد مضى وولى .. ولعلاج الكسل، عليك بالآتي:
1) لا تقل أنا كسلان .. كان ابن عباس يقول "أكره أن يقول الرجل إني كسلان" .. فمجرد قولك إنك كسلان، سيُعطيك الإيحاء النفسي بالكسل.
2) الرضا بما قسمه الله لك .. قال أيوب السيستياني "إذا لم يكن ما تريد فأرِدّ ما يكون" .. فإذا أردت أن تفعل شيئًا لكن لم توَّفق فيه، فأرِدّ ما يريد الله عز وجل لك .. وحينها لن تصاب بالإحباط واليأس، فقدر الله لا يأتى إلا بخير.
3) استكثر من عمل لتنفض عنك الكسل ..قال وهب بن منبه "من يتعبَّد يزدد قوة ومن يتكسَّل يزدد فترة" .. لا تحقرِّن من المعروف شيئًا، أكثِّر من أي عمل مهما كان يسيرًا لعله يكون سببًا في تنشُطَّك.
4) قلل من النوم ..فإن كثره النوم تُميت القلب وتُثقِّل البدن.
5) الدعاء ..أكثر من قول النبى "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل .."[رواه مسلم]..
فالعلاج يسير وما عليك سوى أن تُقبِّل على ربك بلهفة وستُبلَّغ إن شاء الله .. وقد قال رسول الله "أعجز الناس من عجز في الدعاء .."[رواه الطبراني وصححه الألباني]
تاسعًا: التوبة من الهزيمة النفسية .. تعزز وارفع رأسك دائمًا يـــا مسلم .. لإنك أفضل خلق الله فى الأرض، فقد اختصك الرحمن بالتوحيد وبالمنهج الرشيد ألا وهو منهج أهل السنة والجماعة.
عاشرًا: التوبة من دنو الهمة .. إياك أن تكون من أصحاب الهمم الدنيِّة، لأن الله عز وجل لم يذكرهم إلا في مقام الذمّ .. فمن لن يستعد من الآن، فهو من الذين قال الله جلّّ وعلا عنهم {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ}[التوبة: 87] .. وهؤلاء جزاؤهم كما قال تعالى {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}[التوبة: 77]
تنشَّط فإذا دُعيت للخير فشمِّر ،و إذا مشيت فهروِّل، جِدّ واجتهد ..
وهمسة في أذنك من ابن الجوزي – رحمه الله - إذ يقول:
" ألا يلين القلب أصخر أم فولاذ، تدعي العجز عن الطاعة وفي
المعاصي أستـــــاذ؟!! *_*